بعد هذا العرض التاريخي لنشأة دعاوى التحرر نقول: ماذا يريد هؤلاء؟ وماذا حققوا للمرأة؟ وماذا يجب علينا إزاء هذه الدعاوى الخطيرة؟
ولعلنا إن ذكرنا جناية هذه الدعاوى على المرأة المسلمة أن يقال: إن هذا الأمر ناتج عن أسباب اقتصادية، أو عائلية، أو أوضاع دينية لا علاقة لها بمسألة التحرر أو التحرير، ولذلك فسوف أتحدث عن واقع المرأة الغربية التي يراد للمرأة المسلمة أن تكون مثلها، وعندها لن يتسطيع المدافعون عن هذه الدعاوى رد قولنا والاعتذار بواقع المرأة المسلمة، فما هو واقع المرأة في الغرب، وفي الدول التي تطبق ما يريد دعاة الاختلاط والانحلال أن تتمثل به المرأة المسلمة، تلك البلاد التي تمثل القدوة لهؤلاء، كيف بات حال المرأة فيها؟ وما هي تفاصيل قصتها؟
كما أشرت سابقاً كان الغربيون ينظرون إلى المرأة على أنها شيطان ورجس، وأنه ليس لها روح، وكان كثير من القديسين -كما يسمون- يقول: إن الشيطان ظهر له في صورة امرأة، ودعاه إلى ترك الدين -أو ما أشبه ذلك- فكانت المرأة عندهم رمزاً للرجس ورمزاً للرذيلة، ولأن المرأة -كما تقول التوراة المحرفة التي كتبوها بأيديهم- هي التي أغرت الرجل -أي آدم- بارتكاب الخطيئة والأكل من الشجرة.
وعندما قامت الثورة الفرنسية مطالبةً بما أسموه (حقوق الإنسان) و(حرية الإنسان) حصلت المرأة على ما يمكن أن نعتبره اعترافاً بأنها إنسان، وبأن لها روحاً، وبأنها بشر، وأخذ المفكرون والأدباء يدعون إلى ذلك، وإن كانت دعوتهم تتلبس بالرذيلة والكلام عن البغايا، والرأفة بهن والشفقة عليهن، وتتحدث عن الراهبات وأنهن منافقات وأنهن يزنين في السر... وما أشبه ذلك.
لكنهم على أية حال بدءوا في أوروبا يعترفون أن للمرأة روحاً، وأنها إنسان وليست بشيطان.
ثم جاءت الثورة الصناعية، وهي التحول الاجتماعي الكبير الذي حدث في أوروبا نتيجة الانتقال من الإقطاع إلى الصناعة، وعندها اضطهدت المرأة اضطهاداً شنيعاً -كما في التاريخ الأوروبي- فكانت المرأة الأوروبية تعمل في مناجم الفحم تحت الأرض لمدة ثماني عشرة ساعة في اليوم، وتجر العربات المحملة بالفحم كالحيوان لتصعد بها إلى أعلى المنجم، وكانت تمتهن أعمالاً شاقة جداً ولا سيما مع الحروب والفتن التي تؤدي بالمرأة إلى أن تحتاج ولا تجد من يعولها ولا من ينفق عليها.
فحينئذ قامت حركات في الغرب تنادي بأن تتحرر المرأة، وأن تتعادل في الأجر مع الرجل، وأن تساوى به في الحقوق؛ لأنها كانت فعلاً مهضومة.
واستمر الحال، وجاءت الحربان العالميتان فزاد الأمر سوءاً؛ لأن الملايين من الشباب والآباء قتلوا، وصار عدد النساء كبيراً مقارنة بعدد الرجال في تلك المجتمعات، واضطرت المرأة للعمل في شتى المجالات لتعول نفسها وأسرتها.
والقوانين الأوروبية -كالفرنسية والإنجليزية وغيرها- لا تسمح للمرأة بالتملك إلى هذا اليوم، كما يخطر على المرأة في بعض دول الغرب أن تتقلد المناصب العليا في الدولة، وإلى هذا اليوم والمرأة لا تستطيع أن تملك رصيداً مالياً باسمها، ومن المفارقات العجيبة أن جريدة سعودية نشرت خبراً مفادة: أن امرأةً سعودية حصلت على ميراث بلغ الملايين فأنشأت مصنعاً، فقالت إحدى الكاتبات -وهي من دعاة التحرر- معلقة على هذا الخبر: هذه فرصة عظيمة للمرأة السعودية أنها بدأت تملك شيئاً، وأنه يجب عليها أن توظف النساء في هذا المصنع.
سبحان الله! أغريب في الدين الإسلامي أن تملك المرأة مصنعاً!! لو أن رجلاً توفي وعنده ثلاثة مصانع، وله ولد وبنت فكيف نقسم التركة؟ البنت تأخذ مصنعاً والولد يأخذ مصنعين؛ لأنه منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنذ نزول آيات الميراث والتركة تقسم وفق قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين)، فما هو العجيب؟! تقول الكاتبة: من العجيب أن امرأة سعودية تمتلك مصنعاً، فمن اللازم أن يكون العاملون فيه من النساء.. سبحان الله؟! من أين جاء هذا اللزوم؟!
وهذا الفكر المنحرف ناتج عن نظرة هؤلاء بعين الغرب حتى إلى بلادهم التي تنعم فيها المرأة -ولله الحمد- بما لا تحلم به أي امرأة في الدنيا.
المرأة الأوروبية تريد أن يعترف بها كإنسان -كما قلت- وأن تعطى حرية التملك، وأن يعترف لها ببعض الحقوق، إلا أنها لا تستطيع أن تحصل على ذلك.
فالمرأة هنالك إذا بلغت الثامنة عشرة تطرد من البيت، ولا تعيش مع الأسرة، وتذهب لتنفق على نفسها بأي وسيلة من الوسائل، وهي في أي بلد من بلدان العالم إما أن تكدح وتحمي نفسها من الابتزاز، وتنفق على نفسها، أو تبذل شرفها وعرضها من أجل لقمة العيش؛ وهذا أمر عادي جداً في العالم الغربي؛ ولهذا رأى كثير من الناس المظالم التي تنزل بالمرأة فقالوا: لماذا تبقى المرأة هكذا؟! لماذا هذا التعصب والعنصرية من الرجال ضد النساء؟! وهو تعصب واضح... لماذا لا تساوى المرأة بالرجل في الأجور؟
  1. واقع الجمعيات النسائية في الغرب